كانت
السهرة التي أحيتها الفرقة الأسطورية المغربية ''لمشاهب''، ليلة الجمعة
الماضي، بملعب ''النصر'' ببشار، ستكون تاريخية لو تمت بعيدا عن الفوضى
والهستيريا الجماهيرية للبشاريين، الذين فشل الأمن في ضبط جماحهم· وقد بدت
التشكيلة الفنية قلقة مضطربة، بعد أن كسّر التنظيم ريتمهم الإبداعي، وأوقف
العرض مرتين متتاليتين·
كانت الساعة
تشير إلى التاسعة والنصف ليلا عندما غرق ملعب النصر بموجة من الجمهور
البشاري، الذي بدأ يتوافد على المكان منذ ساعتين تقريبا، عائلات وأصدقاء
حملوا أنفسهم إلى الليلة الأولى للمهرجان الثقافي لموسيقى الديوان في
طبعتها السادسة. موعد سنوي، ينتظره الجميع لينفض غبار الروتين والركود على
هذه الجهة من الوطن. في المدرج الوحيد للملعب، احتمت العائلات من جموع
الشباب، وجلست تنتظر، وبينما الأرائك الأمامية المخصصة للسلطات الولائية،
كانت شاغرة تترقب وصول الوفد الرسمي، راجت الأخبار أن والي ولاية بشار لن
يكون حاضرا في السهرة، ولا باقي المسؤولين العسكريين وما تبعهم، فبدأ
الجميع يزحف إلى الجهة الأمامية للملعب قريبا جدا من المنصة. بعد العاشرة
بقليل، أُعلن عن انطلاق السهرة، وجلست قدوري ممثلة وزيرة الثقافة، تشرف على
الفعالية، إلا أن تدفق الجمهور على المكان المخصص لها جعلها محل تهديد مثلها
مثل ممثلي الصحافة الوطنية الذين افترشوا الأرض، مستعينين بزرابي السلطات
المحلية، إلا أنهم سرعان ما غرقوا بين الأرجل هم أيضا، في غياب تام لمكان
مخصص لرجال الإعلام لمتابعة العرض والبقاء قريبا من الحدث.
لم
تمر الأغنية الأولى لفرقة ''لمشاهب'' بعنوان ''رثاء لمحمد السوسدي''، حتى
تحوّلت أرائك المسؤولين إلى أي شيء ماعدا مجلس مريح، شباب من 16 إلى 20
سنة، وآخرون من تتراوح أعمارهم من 40 إلى 50 احتلوا المنطقة، وزحفوا بلا
رقيب أو معين، حيث تجهيزات الصوت التابعة لديوان رياض الفتح، استنفر
أصحابها سريعا، مدافعين عن أجهزتهم.
وعلى
مدار كل السهرة، تواصل المشهد على هذه الطريقة ''الحربية''، كرّ وفرّ،
صراخ وانفعال شديد، شباب ضبطت بحوزتهم قطع ''كيف''، آخرين سكارى حاموا بين
الحشود، كاسرين حرمة الموقف، وجمالية الاستماع إلى فرقة ''لمشاهب''
الملتزمة. كل ذلك في غياب تام لعناصر الأمن
الوطني، الذي كان عددهم لا يتعدى أصابع اليد، مقابل ملعب مملوء عن آخره،
يرجح أن يكون ضم تلك الليلة 20 ألف متفرج. لا تطويق أمني، لا حواجز حديدية
كما تعودنا، شرطة تتفرج دون أن تتدخل، تاركة مهمة النهر والزجر لأعوان أمن
مؤقتين من شباب الأحياء المجاورة، استأجرهم المهرجان للمناسبة. إلا أن
هؤلاء أيضا لم يكن بوسعهم فعل شيء أمام أقرانهم، فتحوّل النهر إلى مشادات
كلامية وشجارات.
بعد
مغادرة ممثلة الوزيرة المكان، مسرعة متأسفة من سوء التنظيم، بقيت الحلبة
فارغة، لا يديرها أحد. وحده رئيس الفرقة المغربية صلاح الدين الكوسري، صعد
إلى المنصة وخاطب الجميع، طالبا الهدوء، قبل أن يشدد من كلامه، ويهدد
بالمغادرة إن استمر الوضع على هذا المنوال. للأسف، لم يقم الكوسري سوى
بتأجيج الحماس، وزاد من نسبة الاندرينالين في أجساد شباب بشار المتعطش
والمكبوت بآلام واقعه الاجتماعي.
بعيدا عن ''واقعة
لمشاهب'' في ليلة بشار الأولى، كانت هناك مشاهد جميلة من بين الجمهور،
رجال ونساء يرددون حرفا حرفا أغاني الفرقة، الكل يحفظ عن ظهر قلب رصيد 40
عاما من الغناء الملتزم لهذه المجموعة المتجددة عبر الزمن. تكوّنت الفرقة
في هذه السهرة م: عبد الوهاب زواق العازف على القيثارة، يقطان عبد الرحمن،
طارق بن عيسى الصوت المميز القادم من تيطوان، محمد حمادي والشاذلي مبارك،
العنصران الأسطوريان في الفرقة، دخلا متعانقين للمنصة، دلالة على إتحادهما،
بعدما عرفته المجموعة من فرقة وسوء تفاهم في سنوات خلت. هذه التشكيلة قدمت
أغاني متنوعة، منها ''العوامة''، ''هذا شنو''، ''يا لطيف''، ''هطلوا
دموعي''، ''فلسطين''، ''ناري''، ''مال القنديل'' و''العفو يا بابا''···
أغاني جمعت بين الكلمة والموسيقى، متعة لمتذوق السمع الأصيل، آلات إتحدت مع
أصوات أصحابها، لتكون جوهرة غالية الثمن، إلا أن بشار التي احتضنت عودة ''لمشاهب'' لم توفق في تقديم الطبق الفني هذا على طبق من فضة أو ذهب.
بشار: نبيلة· س
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire