لمشاهب هي فرقة موسيقية مغربية تأسست في الدار البيضاء عام 1974، وهي معروفة بذوقها الفريد و تأثرها بالموسيقى الغربية. لمشاهب لها خصوصية إدخال أدوات إلكترونية حديثة وكتابة نصوص تدين السلوك المفرط للنظام المغربي، مؤسسها المرحوم لمراني مولاي الشريف و باقية الاعضاء هم: السوسدي محمد، الشاذلي امبارك، باطما محمد، حمادي محمد.

المستجدات

vendredi, mai 09, 2008

- سعيدة بيروك

 سعيدة بيروك


من منا لا يتذكر المجموعات الغنائية التي انطلقت في أواخر الستينات وأوائل السبعينات، مثل ناس الغيوان وجيل جيلالة والمشاهب.. التي صارت أيقونة الغناء الشعبي النضالي الملتزم، مجموعات مازالت أغانيها راسخة في مسامع المغاربة، وأغان ناقشت قضايا المجتمع المغربي قبل أن تطرب آذانه، ففتحت باب النقاش المجتمعي والسياسي الوطني بكلماتها الموزونة والمنتقاة من تراثنا الشفهي، لتجسد بحق آمال المغاربة وآلامهم بكل صدق وواقعية.
من تلك الفرق الغنائية كانت «المشاهب» التي قدمت العديد من الأغاني الخالدة في وجداننا. أبطالها هم المرحوم الشريف العمراني، والمرحوم محمد باطما، إضافة إلى الشادلي السوسدي والحمادي، والعنصر النسوي الوحيد سعيدة بيروك، التي استضافت «أسرة مغربية» وحكت عن بداياتها وسر تعلقها بالمجموعة وأسرتها التي تتنفس فنا.
ولادة بالإرادة لا شيء مستحيل..
ازدادت سعيدة يوم العاشر من أكتوبر سنة 1958 بدار القايد المنتاكي، درب سيدي مجمد الحاج، بباب دكالة بمدينة مراكش،. ترعرعت بين أسرة متواضعة، وكانت مثلها مثل باقي أقرانها المحرومين من عدة الأشياء، لكنها لم تكن تعرف شيئا عن الحياة، غير اللعب مع أختها وصنع الأواني بالوحل..
كانت محبة للحيوانات وخصوصا القطط، درست في سن مبكرة بالمسيد وبالمدرسة الابتدائية سيدي عبد العزيز بمراكش، لكنها درست سنتين في سنة واحدة، بعد اكتشاف ذكائها من طرف الإدارة، حيث درست 4 أشهر سنة أولى و 6 أشهر سنة ثانية. بعد ذلك، انتقلت إلى إعدادية لالة مريم، في هذه الفترة أصبحت سعيدة تهتم بالمسرح أكثر، وتستهويها الموسيقى الشعبية مثل الحوزي والهواري، مما جعلها تنخرط بدار الشباب الحي المحمدي بالداوديات.

إرهاصات التعلق بالفن
كانت سعيدة تتابع مع المتفرجين التدريبات المسرحية وتحضر جلسات مع شباب مسرحيين وملحنين وكتاب. حضورها بانتظام للجلسات كان سر ولوجها للمسرح لحفظها سيناريو المسرحية كاملا، فأخذت مكان بطلة المسرحية التي غابت عن أدائها، فكانت فرصة لها لعرض مواهبها، وفرصة للمتفرج لاكتشاف وجه جديد، هذا الأداء الذي سمح لها بالانضمام إلى الفرقة وعرض مسرحيات أخرى وغناء كاشكولات شعبية من كلمات المجموعة وتلحينها، عن طريق أمسيات يحضرها الجيران والأهل و الأقارب، لتشجيع شباب سبقوا عصرهم.
بدايات فنانة صغيرة
انطلقت بدايات مشوار سعيدة وأصدقائها سنة 1971، بعد سماع فرقتهم لـ «ناس الغيوان»، فأحسوا أنها متنفس للطبقة الكادحة، هنا جاءت فكرة تغيير نمط الأغاني التي كانوا يعرضونها، وذلك بتحسينها وجعلها أغنية ملتزمة، ثم بدأت الرحلة مع الأخوين الباهيري، عبد الحق الصقلي الذي كان كاتبا وملحنا، وعازفا آخر على الكنبري ذو الثلاث أوتار، فسميت الفرقة بـ «طيور الغربة»، وهنا جاءت فكرة تسجيل الأغاني، فكانت الدار البيضاء هي المحطة الأساسية، لتوفرها على شركات الإنتاج، فلقوا استحسانا من طرف المنتجين، إلا أن موعد التسجيل كان بعد أسبوع، مما أدى بالفرقة إلى الرجوع لمراكش لعدم توفرهم على مأوى بالبيضاء... بعد أسبوع رجعت الفرقة حسب الموعد، لكن سعيدة بقيت بمراكش، فبقي الحال على ما هو عليه، وبعد ثلاث أشهر رجعت الفرقة مع المرحوم مولاي الشريف المراني ومحمد البختي، لاصطحابها معهم إلى العاصمة الاقتصادية، لكن واجهوا معارضة من طرف والدتها التي امتنعت عن سفرها بسبب صغر سنها، حيث كان عمرها آنذاك 14 سنة، إلا أن البختي طمأن والدة سعيدة بكون الصغيرة ستكون فردا من أسرته المتواضعة.

رحلة مع المجهول..
«هنا بدأت رحلتي إلى البيضاء، فرحة ومتلهفة لمدينة كبرى، إلى أن وصلنا لوادي أم الربيع، توقفنا لأخذ بعض الصور التذكارية، هنا أحسست كأنني أقوم برحلة إلى المجهول، جالت في خاطري مجموعة من الأسئلة، إلى أين أنا ذاهبة؟ كيف سأعيش؟ مع من؟... أسئلة وأخرى طرحت أمامي، لكن أخذت المغامرة جوابا لأسئلتي».. تحكي لنا سعيدة وهي تبتسم. بعد وصول الشباب مكثت الفرقة بالطابق السفلي لمنزل البختي بالصخور السوداء، أما سعيدة فكانت بالطابق العلوي مع أولاد البختي وزوجته التي كانت بالنسبة إليها أما ثانية، تقول سعيدة «جلسنا مدة لا بأس بها مع التمارين والاجتهادات مع الحفاظ على اسم المجموعة لمدة ستة أشهر، إلى أن انضم إلينا بولمان، الذي ساند الفرقة ماديا ومعنويا، لأنه كان صديقا وأخا ومحاميا، هذا الأخير الذي كتب كلمات أغنية «السايق تالف»، وهي الأغنية التي سجلت بالألبوم الأول لنا».
بعد ذلك ابتسم الحظ للمجموعة الغنائية الشابة، فقامنا بعديد من الجولات بمختلف مناطق المغرب، بل ووصل صوتهم إلى الجزائر، كل تلك العروض لقيت إقبالا لدى الجمهور، مما جعلهم يقومون بتسجيل أسطوانة تحمل أغاني منها «شوفلك الكاس» و «الهاوي هاوين»، مع شركة إنتاج عالمية تدعى بـ «باكلي». «في ذلك الحين لم أكن أبحث عن الماديات، كنت أطمح للفن، ليس أكثر» تضيف سعيدة.

خطوات موفقة
كانت «أمانة» أول أغنية من تأليف وتلحين المرحوم محمد باطما، بعد انضمام هذا الأخير للمجموعة، في سنة 1973 ذاع صيت المجموعة أكثر فأكثر، لتتعدى شهرتها أرض المغرب، فتقوم بجولات بالعديد من الدول الأوروبية فرنسا، هولندا، وبيلجيكا. وبعد الرجوع إلى أرض الوطن انسحب الأخوان الباهيري من المجموعة بسبب مشاكل مع إدارة المشاهب ليتأثر نوعا ما أداء الفرقة. لكن سنة 1974 كانت دفعة نوعية وجديدة لعطاء جديد بعد انضمام عنصران جديدان إلى المجموعة هما الشادلي والسوسدي، فكان الكل يألف ويلحن ويبدع، وبعد سنة انضم حمادي إلى المجموعة.

سعاد وباطما...
زمالة، إعجاب وحب فزواج
تقول سعيدة عن زوجها باطما، لم يكن محمد مجرد زوج بل كان شخصا رائعا للغاية، احتضنني وأحسسني بالدفء والحماية، تزوجته وأنا في السابعة عشر من عمري.. كنا نعيش أمسيات رائعة في بيت حماتي «أمي حادة»، حتى بعد انسحابي من المجموعة لم أفقد الجو الفني مع مجموعات تكادة، الغيوان، المشاهب، ومسناوة.

طارق، أنس وخنساء... قرة العين
بقيت سعيدة عضوا بالمجموعة إلى أن حملت بطفلها الأول طارق، بعدها ازداد أنس والخنساء».. وتسطرد سعيدة «عشت مع زوجي وأبنائي الحلوة والمرة، كأي زوجة ترعى صحتهم ومالهم وبيتهم، وتسعى إلى جعلهم يحسون بالحنان، كافحت معهم وعشنا الفرحة والقرحة، وأتذكر هنا الضائقة المالية التي مررنا بها، والتي دامت أربع سنوات، حيث كنا نعيش بوجبة واحدة في اليوم نظرا للمشاكل المادية التي كنا نعاني منها في تلك الفترة، هنا انظم محمد باطما لمجموعة مسناوة بتأليفه لثلاث ألبومات تحمل عناوين «العود الأزرق»، «إلى جيتي على غفلة»، «محمد»، و»ارجع أحمادي».

ابن الوز عوام
سهرت سعيدة على تربية أبنائها أحسن تربية وتابعتهم في دراستهم، حتى بعد رجوعها «للمشاهب». تقول «كنت أعشق فني وبيتي، فلم أواجه مشاكل بين البيت والفن، فوجدت ضالتي بأبنائي كذلك، ماداموا قرروا إتباع حرفة الوالدين، إلى أن وصلوا اليوم والحمد لله لما كانوا يسعون إليه وكونوا أسرتهم الخاصة بهم».
خنساء مثلا حققت حضورا ملفتا بعد مشاركتها في إحدى مسابقات الغناء المغربية، لتعود بقوة صاهرة مختلف مكونات هويتها، كمغربية عربية أفريقية، من القرن الواحد والعشرين، ضمن بوتقة انشغالاتها الفنية، ومحاولة التأكيد على خصوصيتها من خلال المزج بين الماضي والحاضر، وبين الموسيقى المغربية وموسيقى « الروك « الأميركية.

سر الانسحاب
عن سر انسحابها من المجموعة، تقول سعيدة «كانت الإدارة تسعى إلى انسحاب واحد من الزوجين إما أنا أو باطما، باعتبارنا نأخذ أجرتين وننتمي إلى أسرة واحدة، إذن يجب الاستغناء عن فرد من الأسرة، فوجدوا كحل مقنع هو التأليف والتلحين، مادام محمد باطما لا يمكن الاستغناء عنه فمن الطبيعي أنا من سيقع عليه الاختيار بعد الشروط التي وضعت بفعل فاعل، وبذلك حرمت من المجموعة وكنت من بين مؤسسيها، رغم أنني بسببها هجرت مدينتي في سن مبكرة، ولم أعش طفولتي وحرمت من مراهقتي»..

بعد الرحيل
انسحاب سعيدة من المجموعة لم يولد كرها بقلبها تجاهها، كما أنها لم تعتزل الغناء وبقيت مناضلة مع زوجها كواحدة من جنود الخفاء للفرقة، حيث كانت تحضر كمتفرجة. تحكي لنا سعيدة عن تلك اللحظات التي عاشتها مع الفرقة بعد انسحابها من الغناء «ما دام زوجي بالمجموعة فروحي أيضا معه، فلو لم يكن زوجي محمد باطما عضوا بالفرقة لطالبت بحقي لأنني عانيت لبروزها، وكنت المرأة الوحيدة ويجب الافتخار بي، كافحت من أجل الأغنية الملتزمة لأنني أحبها، و ليس من أجل المال، و لو كان هذا طموحي فقد كان جمالي وصغر سني يساعداني في جني المال بأنواع أخرى من الأغاني».. وتضيف سعيدة «رفضت عروضا كثيرة للانضمام إلى مجموعات أخرى، بعد انسحابي من المجموعة، إلا أنني تفرغت مع محمد باطما لمشروع عرض علينا لتسجيل دويتو بأمريكا، من طرف أناس أتوا من فرنسا، بحضور عمر السيد والمرحوم العربي باطما، حيث كتب لنا هذا الأخير سبع أغاني لحنت أغنيتين، ولكن لم يتم المشروع بسبب أياد خفية»..

رجوع قوي لسعيدة
وفاة المرحوم محمد باطما كان سببا في رجوع سعيدة لمجموعة المشاهب، بعد احتياجهم لها كاسم وازن وعنصر مؤسس للمجموعة، لذا لم تبخل عليهم ليومنا هذا، فكان رجوعها قفزة فنية لإحياء الفرقة من جديد مع الأستاذ كسرى الذي أصبح رئيسا للمجموعة، تقول سعيدة «نحن في صدد إنجاز البوم جديد لم نفكر في اسم له بعد، يحمل أغاني «الدنيا»، «السيدا»، وهما من كلمات الشادلي وألحان المجموعة، وبعد رجوعي كان الجمهور متعطشا لرؤيتي بالمشاهب مجددا» تقول مبتسمة
.

من مجلة الأسرة

Aucun commentaire:

الرئيسية